فصل: ذكر إفاضته صلَّى الله عليه وسلَّم إلى البيت العتيق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل تقديم رسول الله ضعفة أهله بالليل ليقفوا بالمزدلفة‏.‏

وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدَّم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة النَّاس من المزدلفة إلى منى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /200‏)‏

قال البخاري - باب من قدم ضعفة أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر -‏:‏ حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب قال‏:‏ قال سالم‏:‏ كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول‏:‏ أرخص في أولئك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من جمع بليل‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، أخبرني عبد الله ابن أبي يزيد سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ أنا ممن قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله‏.‏

وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بعث بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من جَمع بسحر مع ثقله‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا سفيان الثوري، ثنا سلمة بن كهيل عن الحسن العرني، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أبني لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ ما أخال أحداً يرمي الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏.‏

وقد رواه أحمد أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري فذكره‏.‏

وقد رواه أبو داود عن محمد بن كثير، عن الثوري به‏.‏

والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن مسعر وسفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به‏.‏

وقال الامام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو الأحوص عن الأعمش، عن الحكم ابن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ مرَّ بنا رسول الله ليلة النحر، وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه الإمام أحمد من حديث المسعودي عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتَّى تطلع الشمس‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا الوليد بن عقبة، ثنا حمزة الزيات بن حبيب عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقدِّم ضعفة أهله بغلس، ويأمرهم - يعني‏:‏ أن لا يرموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس -‏.‏

وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السري، عن سفيان، عن حبيب‏.‏

قال‏:‏ الطبراني - وهو ابن أبي ثابت - عن عطاء، عن ابن عبَّاس‏:‏ فخرج حمزة الزيات من عهدته، وجاد إسناد الحديث، والله أعلم‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا مسدد عن يحيى، عن ابن جريج، حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت ساعة، ثم قالت‏:‏ يا بني هل غاب القمر‏؟‏

قلت‏:‏ لا‏.‏

فصلت ساعة ثم قالت‏:‏ هل غاب القمر‏؟‏

قلت‏:‏ نعم‏!‏

قالت‏:‏ فارتحلوا‏.‏

فارتحلنا فمضينا حتَّى رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها‏.‏

فقلت لها‏:‏ يا هنتاه ما أرانا إلا قد غسلنا‏.‏

فقالت‏:‏ يا بني إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أذن للظعن‏.‏

ورواه مسلم من حديث ابن جريج به، فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرنا هاهنا عن توقيف، فروايتها مقدمة على رواية ابن عبَّاس، لأن إسناد حديثهما أصح من إسناد حديثه؛ اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن الغلمان أخف حالاً من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالاً وأبلغ في التستر، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/201‏)‏

وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف، فحديث ابن عبَّاس مقدم على فعلها، لكن يقوي الأول قول أبي داود‏:‏ ثنا محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل‏.‏

قلت‏:‏ إنا رمينا الجمرة بليل‏.‏

قالت‏:‏ إنا كنا نصنع هذا على عهد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا أفلح بن حميد عن القاسم، عن محمد، عن عائشة قالت‏:‏ نزلنا المزدلفة، فاستأذنت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سودة أن تدفع قبل حطمة النَّاس - وكانت امرأة بطيئة - فأذن لها، فدفعت قبل حطمة النَّاس، وأقمنا نحن حتَّى أصبحنا، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به‏.‏

وأخرجه مسلم عن القعنبي، عن أفلح بن حميد به‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا هارون بن عبد الله، ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك - يعني‏:‏ ابن عثمان -، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت‏:‏ أرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال أبو داود‏:‏ - يعني‏:‏ عندها - انفرد به أبو داود، وهو إسناد جيد قوي رجاله ثقات‏.‏

 ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة

قال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص عن حصين، عن كثير بن مدرك، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ قال عبد الله‏:‏ ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام‏:‏ ‏(‏‏(‏لبيك اللهم لبيك‏)‏‏)‏‏.‏

فصل

 في وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وإيضاعه في وادي محسر

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ الآية‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 198‏]‏‏.‏

وقال جابر في حديثه‏:‏ فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتَّى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله عز وجلوكبره، وهلَّله ووحَّده، فلم يزل واقفاً حتَّى أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبَّاس وراءه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /202‏)‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا الحجاج بن منهال، ثنا شعبة عن ابن اسحاق قال‏:‏ سمعت عمرو بن ميمون يقول‏:‏ شهدت عمر صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال‏:‏ إن المشركين كانوا لا يفيضون حتَّى تطلع الشمس، ويقولون‏:‏ أشرق ثبير، وإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض قبل أن تطلع الشمس‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ خرجت مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً فصلى صلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول‏:‏ طلع الفجر و قائل يقول‏:‏ لم يطلع الفجر ثم قال‏:‏ إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب و العشاء، فلا تقدم النَّاس جمعاً حتَّى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم وقف حتَّى أسفر ثم قال‏:‏ لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة‏.‏

فلا أدري أقوله كان أسرع، أو دفع عثمان‏.‏

فلم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة يوم النحر‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي، ثنا عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة قال‏:‏ خطبنا رسول الله بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حتَّى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ورواه عبد الله بن ادريس عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو خالد سليمان بن حيان سمعت الأعمش عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا زهير بن حرب، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن يونس الإيلي، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس أن أسامة كان ردف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى‏.‏

قال‏:‏ فكلاهما قال‏:‏ لم يزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

ورواه ابن جريج عن عطاء، عن ابن عبَّاس‏.‏

وروى مسلم من حديث الليث بن سعد عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عبَّاس، عن الفضل بن عبَّاس وكان رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا‏:‏ ‏(‏‏(‏عليكم بالسكينة‏)‏‏)‏ وهو كاف ناقته، حتَّى دخل محسراً، وهو من منى قال‏:‏ ‏(‏‏(‏عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ولم يزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي حتَّى رمى الجمرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/203‏)‏

وقال الحافظ البيهقي - باب الإيضاع في وادي محسر -‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو المقري، وأبو بكر الوراق، أنبأنا الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن عمار، وأبو بكر ابن ابي شيبة قالا‏:‏ ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر في حج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ حتَّى إذا أتى محسراً حرك قليلاً‏.‏

رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر ابن شيبة‏.‏

ثم روى البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم روى البيهقي من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن علي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض من جمع حتَّى أتى محسراً، فقرع ناقته حتَّى جاوز الوادي فوقف، ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها، هكذا رواه مختصراً‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش ابن أبي ربيعة عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن علي قال‏:‏ وقف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذا الموقف، وعرفة كلها موقف‏)‏‏)‏ وأفاض حين غابت الشمس، وأردف أسامة فجعل يعنق على بعيرة، والنَّاس يضربون يميناً وشمالاً لا يلتفت إليهم، ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏السكينة أيها النَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتى جمعاً فصلى بهم الصلاتين المغرب والعشاء، ثم بات حتَّى أصبح، ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا الموقف وجمع كلها موقف‏)‏‏)‏ ثم سار حتَّى أتى محسراً فوقف عليه، فقرع دابته فخبت حتَّى جاز الوادي ثم حبسها، ثم أردف الفضل وسار حتَّى أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا المنحر، ومنى كلها منحر‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت‏:‏ إن أبي شيخ كبير قد أفند، وقد أدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ عنه أن أودي عنه‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏!‏فأدي عن أبيك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ولوى عنق الفضل فقال له العبَّاس‏:‏ يا رسول الله، لِمَ لويت عنق ابن عمك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت شاباً وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم جاءه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنحر ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إحلق أو قصِّر ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتى البيت فطاف، ثم أتى زمزم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم النَّاس عليها لنزعت معكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري‏.‏

ورواه التِّرمذي عن بندار، عن أبي أحمد الزبيري‏.‏

وابن ماجه عن علي بن محمد، عن يحيى بن آدم‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/204‏)‏

قلت‏:‏ وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها، فمن ذلك‏:‏ قصة الخثعمية، وهو في الصحيحين من طريق الفضل، وتقدمت في حديث جابر، وسنذكر من ذلك ما تيسر‏.‏

وقد حكى البيهقي بإسناد عن ابن عبَّاس أنه أنكر الإسراع في وادي محسر وقال‏:‏ إنما كان ذلك من الأعراب‏.‏

قال‏:‏ والمثبت مقدم على النافي‏.‏

قلت‏:‏ وفي ثبوته عنه نظر، والله أعلم‏.‏

وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله، وصح من صنيع الشيخين أبي بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك‏.‏

فروى البيهقي عن الحاكم، عن النجاد وغيره، عن أبي علي محمد بن معاذ بن المستهل المعروف بدران، عن القعنبي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن عمر كان يوضع ويقول‏:‏

إليكَ تَعدُوا قلقاً وضينُها * مخالفُ دينَ النصارى دينُها

 ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر

وكيف رماها، ومتى رماها، ومن أي موضع رماها، وبكم رماها، وقطعة التلبية حين رماها‏.‏

قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا الإمام أبو عثمان، أنبانا أبو طاهر ابن خزيمة، أنبأنا جدي - يعني‏:‏ إمام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة -، ثنا علي بن حجر، ثنا شريك عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عبد الله قال‏:‏ رمقت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة بأول حصاة‏.‏

وبه عن ابن خزيمة، ثنا عمر بن حفص الشيباني، ثنا حفص بن غياث، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عبَّاس، عن الفضل قال‏:‏ أفضت مع رسول الله من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عبَّاس عن الفضل، وإن كان ابن خزيمة قد اختارها‏.‏

وقال محمد بن اسحاق‏:‏ حدثني أبان بن صالح عن عكرمة قال‏:‏ أفضت مع الحسين بن علي، فما أزال أسمعه يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك‏.‏

فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏

فقال‏:‏ رأيت أبي علي ابن أبي طالب يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك‏.‏

وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عبَّاس، عن أخيه الفضل أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر النَّاس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة‏.‏

رواه مسلم‏.‏

وقال أبو العالية عن ابن عبَّاس‏:‏ حدثني الفضل قال‏:‏ قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غداة يوم النحر‏:‏ ‏(‏‏(‏هات فالقط لي حصا‏)‏‏)‏ فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف، فوضعهن في يده فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين‏)‏‏)‏‏.‏

رواه البيهقي‏.‏

وقال جابر في حديثه‏:‏ حتَّى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتَّى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي‏.‏

رواه مسلم‏.‏ ‏(‏ج /ص‏:‏5/205‏)‏

وقال البخاري‏:‏ وقال جابر رضي الله عنه‏:‏ رمى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال‏.‏

وهذا الحديث الذي علَّقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير سمع جابراً قال‏:‏ رمى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس‏.‏

وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ رمى عبد الله من بطن الوادي‏.‏

فقلت‏:‏ يا أبا عبد الرحمن إن ناساً يرمونها من فوقها‏.‏

فقال‏:‏ والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

لفظ البخاري‏.‏

وفي لفظ له من حديث شعبة عن الحكم، عن ابراهيم، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود‏:‏ أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع‏.‏

وقال‏:‏ هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

ثم قال البخاري - باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة - قاله ابن عمر عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة، فرماها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف‏.‏

وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال‏:‏ من هاهنا والذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

وروى مسلم من حديث ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله قال‏:‏ رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حجاج عن الحكم، عن أبي القاسم - يعني‏:‏ مقسماً-، عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكباً‏.‏

ورواه التِّرمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى ابن زكريا ابن أبي زائدة، وقال‏:‏ حسن‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة به‏.‏

وقد روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي من حديث يزيد بن زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه أم جندب الأزديّة قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل فقالوا‏:‏ الفضل بن عبَّاس، فازدحم النَّاس فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيها النَّاس، لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف‏)‏‏)‏‏.‏

لفظ أبي داود‏.‏

وفي رواية له‏:‏ قالت‏:‏ رأيته عند جمرة العقبة راكباً، ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى، ورمى النَّاس ولم يقم عندها‏.‏

ولابن ماجه قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة‏.‏ ذكر الحديث‏.‏

وذكر البغلة هاهنا غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /206‏)‏

وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏)‏‏)‏‏.‏

وروى مسلم أيضاً من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين سمعتها تقول‏:‏ حججت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ قالت‏:‏ حججت مع رسول الله حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، أحدهما‏:‏ آخذ بخطام ناقة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والآخر‏:‏ رافع ثوبه يستره من الحر حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا أيمن بن نابل، ثنا قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن وكيع، ومعتمر ابن سليمان، وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ثلاثتهم عن أيمن بن نائل به‏.‏

ورواه أيضاً عن أبي قرة، عن سفيان الثوري، عن أيمن‏.‏

وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به‏.‏

ورواه التِّرمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به، وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا نوح بن ميمون، ثنا عبد الله - يعني‏:‏ العمري - عن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشياً، وزعم أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان لا يأتيها إلا ماشياً ذاهباً وراجعاً‏.‏

ورواه أبو داود عن القعنبي، عن عبد الله العمري به‏.‏

 فصل انصراف رسول الله إلى المنحر واشراكه سيدنا علي بالهدي‏.‏

قال جابر‏:‏ ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، وسنتكلم على هذا الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن حميد الأعرج، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ خطب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى ونزلهم منازلهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل النَّاس حولهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وعلَّمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتَّى سمعوه في منازلهم‏.‏

قال‏:‏ فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إرموا الجمرة بمثل حصى الخذف‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم لينزل النَّاس حولهم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وأبو داود عن مسدد، عن عبد الوارث‏.‏

وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن بمنى، ففتحت أسماعنا حتَّى كأنَّا نسمع ما يقول‏.‏ الحديث‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/207‏)‏

ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أشرك علي ابن أبي طالب في الهدي، وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مائة من الإبل، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نحر بيده الكريمة ثلاثاً وستين بدنة‏.‏

قال ابن حبان وغيره‏:‏ وذلك مناسب لعمره عليه السلام فإنه كان ثلاثاً وستين سنة‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، ثنا محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نحر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحج مائة بدنة، نحر منها بيده ستين، وأمر ببقيتها فنحرت، وأخذ من كل بدنة بضعة، فجمعت في قدر فأكل منها، وحسى من مرقها‏.‏

قال‏:‏ ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها‏.‏

وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يعقوب، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني رجل عن عبد الله ابن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة، نحر منها ثلاثين بدنة بيده، ثم أمر علياً فنحر ما بقي منها‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قسِّم لحومها وجلودها، وجلالها بين النَّاس، ولا تعطين جزَّاراً منها شيئاً، وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم، واجعلها في قدر واحدة، حتَّى نأكل من لحمها، ونحسو من مرقها،‏)‏‏)‏ ففعل‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن ابن أبي ليلى، عن علي قال‏:‏ أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها، وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن نعطيه من عندنا‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن حاتم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الأزديّ سمعت عرفة بن الحارث الكندي قال‏:‏ شهدت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأتى بالبدن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع لي أبا حسن‏)‏‏)‏ فدعي له علي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ بأسفل الحربة‏)‏‏)‏ وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأعلاها ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف علياً‏.‏

تفرد به أبو داود، وفي إسناده ومتنه غرابة، والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أحمد بن الحجاج، أنبأنا عبد الله، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن أبي القاسم - يعني‏:‏ مقسما - عن ابن عبَّاس قال‏:‏ رمى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جمرة العقبة ثم ذبح، ثم حلق‏.‏

وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر، وأهدى بمنى بقرة، وضحى هو بكبشين أملحين‏.‏

 صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حلق في حجته‏.‏

ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم - هو‏:‏ ابن راهويه -، عن عبد الرزاق‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال‏:‏ قال نافع‏:‏ كان عبد الله بن عمر يقول‏:‏ حلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجته‏.‏

ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله بن عمر قال‏:‏ حلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وطائفة من أصحابه، وقصَّر بعضهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/208‏)‏

رواه مسلم من حديث الليث عن نافع به‏.‏

وزاد‏:‏ قال عبد الله‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يرحم الله المحلقين‏)‏‏)‏ مرة أو مرتين، قالوا‏:‏ يا رسول الله والمقصرين‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏والمقصرين‏)‏‏)‏‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا وكيع، وأبو داود الطيالسي عن يحيى بن الحصين، عن جدته أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة‏.‏

ولم يقل وكيع‏:‏ في حجة الوداع‏.‏

وهكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك‏.‏

وعبد الله عن نافع، عن ابن عمر، وعمارة عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا يحيى بن يحيى، ثنا حفص ابن غياث عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر‏.‏

ثم قال للحلاق‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ‏)‏‏)‏ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه النَّاس‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنه حلق شقه الأيمن، فقسَّمه بين النَّاس، من شعرة أو شعرتين، وأعطى شقه الأيسر لأبي طلحة‏.‏

وفي رواية له‏:‏ أنه أعطى الأيمن لأبي طلحة وأعطاه الأيسر، وأمره أن يقسمه بين النَّاس‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والحلاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن يقع شعرة إلا في يد رجل‏.‏

انفرد به أحمد‏.‏

 فصل تحلله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد رمي جمرة العقبة‏.‏

ثم لبس عليه السلام ثيابه، وتطيب بعد ما رمى جمرة العقبة، ونحر هديه، وقبل أن يطوف بالبيت طيَّبته عائشة أم المؤمنين‏.‏

قال البخاري‏:‏ ثنا علي بن عبد الله بن المديني، ثنا سفيان هو‏:‏ ابن عيينة -، ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد -وكان أفضل أهل زمانه - أنه سمع أباه - وكان أفضل أهل زمانه - يقول‏:‏ إنه سمع عائشة تقول‏:‏ طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا يعقوب الدورقي، وأحمد بن منيع قالا‏:‏ ثنا هشيم، أنبأنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كنت أطيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل أن يحرم ويحل يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك‏.‏

وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم، ولحله بعد ما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن سالم قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ أنا طيَّبت رسول الله لحله وإحرامه‏.‏

ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري، عن سالم، عن عائشة فذكره‏.‏

وفي الصحيحين من حديث ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت‏:‏ طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/209‏)‏

ورواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي الرحال، عن أمه عمرة، عن عائشة به‏.‏

وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العوفي، عن ابن عبَّاس أنه قال‏:‏ إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراماً إلا النساء حتَّى تطوفوا بالبيت‏.‏

فقال رجل‏:‏ والطيب يا أبا العبَّاس‏؟‏

فقال له‏:‏ إني رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب هو أم لا‏؟‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني أبو عبيدة عن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وأمه زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت‏:‏ كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة النحر، فكان رسول الله عندي، فدخل وهب بن زمعة، ورجل من آل أبي أمية متقمصين‏.‏

فقال لهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضتما‏؟‏‏)‏‏)‏

قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فانزعا قميصكما‏)‏‏)‏ فنزعاهما‏.‏

فقال له وهب‏:‏ ولِمَ يا رسول الله‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هدياً، إن كان لكم فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتَّى تطوفوا بالبيت، فإذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرماً كما كنتم أول مرة حتَّى تطوفوا بالبيت‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، كلاهما عن ابن أبي عدي، عن ابن إسحاق، فذكره‏.‏

وأخرجه البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر، عن أبي إسحاق، عن أبي المثنى العنبري، عن يحيى بن معين‏.‏

وزاد في آخره‏:‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وحدثتني أم قيس بنت محصن قالت‏:‏ خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلينا عشياً وقمصهم على أيديهم يحملونها، فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لوهب بن زمعة وصاحبه‏.‏

وهذا الحديث غريب جداً، لا أعلم أحدا من العلماء قال به‏.‏

 ذكر إفاضته صلَّى الله عليه وسلَّم إلى البيت العتيق

قال جابر‏:‏ ثم ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم النَّاس على سقايتكم لنزعت معكم‏)‏‏)‏ فناولوه دلواً فشرب منه‏.‏ رواه مسلم‏.‏

ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب الى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت، ثم لما فرغ صلى الظهر هناك‏.‏

وقال مسلم أيضاً‏:‏ أخبرنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى‏.‏

وهذا خلاف حديث جابر، وكلاهما عند مسلم‏.‏

فإن عللنا بهما أمكن أن يقال‏:‏ أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى، فوجد النَّاس ينتظرونه فصلى بهم، والله أعلم‏.‏

ورجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن، لأن ذلك الوقت كان صيفاً والنهار طويل، وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار، فإنه دفع فيه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جداً ولكنه قبل طلوع الشمس، ثم قدم منى فبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/210‏)‏

ثم جاء فنحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، ونحر علي بقية المائة، ثم أُخذت من كل بدنة بضعة، ووضعت في قدر وطبخت حتَّى نضجت فأكل من ذلك اللَّحم، وشرب من ذلك المرق‏.‏

وفي غبون ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيَّب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت، وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة، ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى، فالله أعلم‏.‏

والقصد أنه ركب الى البيت فطاف به سبعة أطواف راكباً، ولم يطف بين الصفا والمروة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما ثم شرب من ماء زمزم، ومن نبيذ تمر من ماء زمزم‏.‏

فهذا كله مما يقوي قول من قال‏:‏ إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر‏.‏

ويحتمل أنه رجع الى منى في آخر وقت الظهر، فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضاً‏.‏

وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يدر ما يقول فيه، وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه، والله أعلم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعني قالا‏:‏ ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمى الجمرة، إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة، وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر‏.‏

كذا قال‏:‏ وليس بشيء، فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية حتَّى صلى الظهر، وإن كانت الرواية حين صلى الظهر، وهو الأشبه، فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت، وهو محتمل، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

وعلى هذا فيبقى مخالفاً لحديث جابر، فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت‏.‏

وحديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلي الظهر، وصلاها بمكة‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عبَّاس‏:‏ أخَّر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعني‏:‏ طواف الزيارة إلى الليل وهذا والذي علَّقه البخاري، فقد وراه النَّاس من حديث يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وفرج بن ميمون عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخَّر الطواف يوم النحر إلى الليل‏.‏

ورواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا سفيان عن أبي الزبير، عن عائشة، وابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زار ليلاً‏.‏

فإن حمل هذا على أنه أخَّر ذلك إلى ما بعد الزوال، كأنه يقول‏:‏ إلى العشي صح ذلك‏.‏

وأما إن حُمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جداً‏.‏

ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهاراً، وشرب من سقاية زمزم‏.‏

وأما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع‏.‏

ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء الله، أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/211‏)‏

وقد ورد حديث سنذكره في موضعه‏.‏

أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى، وهذا بعيد أيضاً، والله أعلم‏.‏

وقد روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو بن قيس عن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله أذَّن لأصحابه، فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع نسائه ليلاً‏.‏

وهذا حديث غريب جداً أيضاً‏.‏

وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخَّر الطواف يوم النحر إلى الليل‏.‏

والصحيح من الروايات، وعليه الجمهور‏:‏ أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والأشبه أنه كان قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعده، والله أعلم‏.‏

والمقصود‏:‏ أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعاً وهو راكب، ثم جاء زمزم وبنو عبد المطلب يستقون منها، ويسقون النَّاس فتناول منها دلواً فشرب منه وأفرغ عليه منه‏.‏

كما قال مسلم‏:‏ أخبرنا محمد بن منهال الضرير، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ وهو جالس معه عند الكعبة، قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم على راحلته، وخلفه أسامة فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب، وسقى فضله أسامة‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وفي رواية عن بكر أن أعرابياً قال لابن عبَّاس‏:‏ مالي أرى بني عمكم يسقون اللبن والعسل، وأنتم تسقون النَّبيّذ، أمن حاجة بكم أم من بخل‏؟‏‏.‏

فذكر له ابن عبَّاس هذا الحديث‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا روح، ثنا حماد عن حميد، عن بكر، عن عبد الله أن أعرابياً قال لابن عبَّاس‏:‏ ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النَّبيّذ، أمن بخل بكم أم حاجة‏؟‏

فقال ابن عبَّاس‏:‏ ما بنا بخل ولا حاجة، ولكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد، فاستسقى فسقيناه من هذا - يعني‏:‏ نبيذ السقاية - فشرب منه‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أحسنتم هكذا فاصنعوا‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد عن روح ومحمد بن بكر عن ابن جريج، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبَّاس، وداود بن علي بن عبد الله بن عبَّاس عن ابن عبَّاس فذكره‏.‏

وروى البخاري عن إسحاق بن سليمان، حدَّثنا خالد عن خالد الحذاء، عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله جاء الى السِّقاية فاستقى‏.‏

فقال العبَّاس‏:‏ يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسقني ‏!‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسقني ‏!‏‏)‏‏)‏

فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعملوا فإنكم على عمل صالح‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن تغلبوا لنزعت حتَّى أضع الحبل على هذه - يعني‏:‏ عاتقه - وأشار إلى عاتقه‏)‏‏)‏‏.‏

وعنده من حديث عاصم عن الشعبي أن ابن عبَّاس قال‏:‏ سقيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من زمزم فشرب وهو قائم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/212‏)‏

قال عاصم‏:‏ فحلف عكرمة - ما كان يومئذ إلا على بعير -‏.‏

وفي رواية‏:‏ ناقته‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا هشيم، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن عكرمة، عن ابن عبَّاس‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاف بالبيت وهو على بعير، واستلم الحجر بمحجن كان معه قال‏:‏ وأتى السقاية فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أسقوني ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ إن هذا يخوضه النَّاس، ولكنا نأتيك به من البيت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حاجة لي فيه اسقوني مما تشرب النَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى أبو داود عن مسدد، عن خالد الطحان، عن يزيد ابن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته - الحديث -‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا روح وعفان قالا‏:‏ ثنا حماد عن قيس وقال عفان في حديثه‏:‏ أنبأنا قيس عن مجاهد، عن ابن عبَّاس أنه قال‏:‏ جاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى زمزم فنزعنا له دلواً فشرب، ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم‏.‏

 فصل اكتفاء رسول الله عليه السلام بطوافه الأول‏.‏

ثم إنه صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعد الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية، بل اكتفى بطوافه الأول‏.‏

كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير‏:‏ سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ لم يطف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً‏.‏

قلت‏:‏ والمراد بأصحابه هاهنا الذين ساقوا الهدي وكانوا قارنين‏.‏

كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعائشة وكانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة‏:‏ ‏(‏‏(‏يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك‏)‏‏)‏‏.‏

وعند أصحاب الإمام أحمد أن قول جابر وأصحابه عام في القارنين والمتمتعين، ولهذا نص الإمام أحمد على أن المتمتع يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وإن تحلل بينهما تحلل، وهو قول غريب مأخذه ظاهر عموم الحديث، والله أعلم‏.‏

وقال أصحاب أبي حنيفة في المتمتع كما قال المالكية، والشافعية‏:‏ إنه يجب عليه طوافان وسعيان، حتَّى طردت الحنفية ذلك في القارن، وهو من أفراد مذهبهم أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين، ونقلوا ذلك عن علي موقوفاً، وروى عنه مرفوعاً إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف، وبيَّنا أن أسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للأحاديث الصحيحة، والله أعلم‏.‏

 فصل رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى منى

ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة كما دل عليه حديث جابر‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ رجع فصلى الظهر بمنى‏.‏

رواهما مسلم كما تقدَّم قريباً، ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى، والله أعلم‏.‏

وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشيء، وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه، فالله أعلم‏.‏

وقال محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات، إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/213‏)‏

ورواه أبو داود منفرداً به‏.‏

وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال‏.‏

وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعاً، وفي منافاته لحديث جابر نظر، والله أعلم‏.‏

 فصل خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر

وقد خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت بها الأحاديث، ونحن نذكر منها ما يسره الله عز وجل‏.‏

قال البخاري - باب الخطبة أيام منى -‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا فضيل بن غزوان، ثنا عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب النَّاس يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ياأيها النَّاس أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ شهر حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأعادها مراراً ثم رفع رأسه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم هل بلغت اللهم قد بلغت‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏.‏

ورواه التِّرمذي عن الفلاس، عن يحيى القطان به‏.‏

وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا قرة عن محمد بن سيرين، أخبرني عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه، ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتدرون أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس هذا يوم النحر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس ذو الحجة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس بالبلدة الحرام‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلِّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البخاري ومسلم من طرق عن محمد بن سيرين به‏.‏

ورواه مسلم من حديث عبد الله بن عون عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه فذكره‏.‏

وزاد في آخره‏:‏ ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/214‏)‏

وقال الإمام‏:‏ أحمد ثنا إسماعيل، أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب في حجته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثني عشر شهراً منها أربعة حرم؛ ثلاثة متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس يوم النحر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس ذا الحجة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليست البلدة‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم - لأحبسه - قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضُلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا وقع في مسند الإمام أحمد عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة‏.‏

وهكذا رواه أبو داود عن مسدد، والنسائي عن عمرو بن زرارة، كلاهما عن إسماعيل - وهو ابن علية - عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي بكرة به‏.‏

وهو منقطع لأن صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب، وغيره عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه به‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ ثنا محمد بن المثنى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى‏:‏ ‏(‏‏(‏أتدرون أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلد حرام‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفتدرون أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏شهر حرام، فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

وقد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، وبقية الجماعة إلا التِّرمذي من طرق عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن جده عبد الله بن عمر، فذكره‏.‏

قال البخاري، وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر‏:‏ وقف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ بهذا‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا يوم الحج الأكبر‏)‏‏)‏‏.‏

فطفق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏ وودع النَّاس‏.‏

فقالوا‏:‏ هذه حجة الوداع‏.‏

وقد أسند هذا الحديث أبو داود عن مؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، كلاهما عن هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي أبي العبَّاس الدمشقي به‏.‏

وقيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر وقبل طوافه‏.‏

ويحتمل أنه بعد طوافه، ورجوعه الى منى ورميه بالجمرات‏.‏

لكن يقوي الأول ما رواه النسائي حيث قال‏:‏ حدثنا عمرو بن هشام الحراني، ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين الأحمسي، عن جدته أم حصين قالت‏:‏ حججت في حجة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرأيت بلالاً آخذاً بقود راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر، وهو محرم حتَّى رمى جمرة العقبة ثم خطب النَّاس، فحمد وأثنى عليه، وذكر قولاً كثيراً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/215‏)‏

وقد رواه مسلم من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين قالت‏:‏ حججت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع فرأيت أسامة، وبلالاً أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

قالت‏:‏ فقال رسول الله قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أُمِّر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت‏:‏ أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا الأعمش عن أبي صالح - وهو ذكوان السمان - عن جابر‏.‏

قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يومنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ شهرنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلدنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، هل بلغت‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيحين‏.‏

ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة عن أبي معاوية، عن الأعمش به‏.‏

وقد تقدَّم حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة، فالله أعلم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن بحر، ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع فذكر معناه‏.‏

وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن عيسى بن يونس به، وإسناده على شرط الصحيحين، فالله أعلم‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا أبو هشام، ثنا حفص عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال البزار‏:‏ رواه أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد، وجمعهما لنا أبو هشام عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد‏.‏

قلت‏:‏ وتقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله فلعله عند أبي صالح عن الثلاثة، والله أعلم‏.‏

وقال هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما هن أربع‏:‏ لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما أنا بأشج عليهن مني حين سمعتهن من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه أحمد والنسائي من حديث منصور عن هلال بن يساف‏.‏

وكذلك رواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور‏.‏

وقال ابن حزم في حجة الوداع‏:‏ حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري، ثنا أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي الأنصاري، ثنا أحمد بن عبدان الحافظ بالأهواز، ثنا سهل بن موسى بن شيرزاد، ثنا موسى بن عمرو بن عاصم، ثنا أبو العوام، ثنا محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال‏:‏ شهدت رسول الله في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/216‏)‏

قال‏:‏ فجاء قوم فقالوا‏:‏ يا رسول الله قبلنا بنو يربوع‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تجني نفس على أخرى‏)‏‏)‏‏.‏

ثم سأله رجل نسي أن يرمي الجمار‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارم ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله نسيت الطواف‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏طف ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذبح ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

فما سألوه يومئذ عن شيء إلا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حرج لا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد أذهب الله الحرج إلا رجلاً اقترض امرأ مسلماً فذلك الذي حرج وهلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى الإمام أحمد، وأهل السنن بعض هذا السياق من هذه الطريق‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حجاج، حدثني شعبة عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة يحدِّث عن جرير - وهو جده - عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال في حجة الوداع‏:‏ يا جرير استنصت النَّاس‏.‏

ثم قال في خطبته‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد عن غندر، وعن ابن مهدي، كل منهما عن شعبة به‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا ابن نمير، ثنا إسماعيل عن قيس قال‏:‏ بلغنا أن جريراً قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ استنصت النَّاس ثم قال عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏لا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه النسائي من حديث عبد الله بن نمير به‏.‏

وقال النسائي‏:‏ ثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص، عن ابن غرقدة، عن سليمان بن عمرو، عن أبيه قال‏:‏ شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس - ثلاث مرات - أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم الحج الأكبر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ولا يجني جان على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع لكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

وقال أبو داود - باب من قال خطب يوم النحر -‏:‏ حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا هشام بن عبد الملك، ثنا عكرمة - هو ابن عمار -، ثنا الهرماس بن زياد الباهلي قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى‏.‏

ورواه أحمد والنسائي من غير وجه عن عكرمة بن عمار، عن الهرماس قال‏:‏ كان أبي مردفي فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء‏.‏

لفظ أحمد وهو من ثلاثيات المسند ولله الحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/217‏)‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا مؤمل بن الفضل الحراني، ثنا الوليد، ثنا ابن جرير، ثنا سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا أمامة يقول‏:‏ سمعت خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى يوم النحر‏.‏

وقال الامام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا امامة يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يومئذ على الجدعاء واضع رجليه في الغرز يتطاول ليُسمع النَّاس‏.‏

فقال بأعلا صوته‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا تسمعون‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال رجل من طوائف النَّاس‏:‏ يا رسول الله ماذا تعهد إلينا‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعبدوا ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا إذا أمرتم، تدخلوا جنة ربكم‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ‏.‏

قال‏:‏ أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة، أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح‏.‏

وأخرجه التِّرمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي، عن زيد بن الحباب‏.‏

وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو المغيرة، ثنا إسماعيل بن عبَّاس، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني سمعت أبا أمامة الباهلي يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في خطبته عام حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها‏)‏‏)‏‏.‏

فقيل‏:‏ يا رسول الله ولا الطعام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك أفضل أموالنا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أهل السنن الأربعة من حديث إسماعيل بن عياش‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن‏.‏

ثم قال أبو داود رحمه الله باب من يخطب يوم النحر‏:‏ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي، ثنا مروان عن هلال بن عامر المزني، حدثني رافع بن عمرو المزني قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، والنَّاس بين قائم وقاعد‏.‏

ورواه النسائي عن دحيم، عن مروان الفزاري به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عامر المزني عن أبيه قال‏:‏ رأيت رسول الله يخطب النَّاس بمنى على بغلة وعليه برد أحمر قال‏:‏ ورجل من اهل بدر بين يديه يعبر عنه‏.‏

قال‏:‏ فجئت حتَّى أدخلت يدي بين قدمه وشراكه‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أعجب من بردها‏.‏

حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شيخ من بني فزارة عن هلال بن عامر المزني، عن أبيه قال‏:‏ رأيت رسول الله على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه‏.‏

ورواه أبو داود من حديث أبي معاوية عن هلال بن عامر ثم قال أبو داود - باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى -‏:‏ حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتَّى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتَّى بلغ الجمار فوضع السباحتين ثم قال‏:‏ حصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل النَّاس بعد ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/218‏)‏

وقد رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه‏.‏

وأخرجه النسائي من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث كذلك‏.‏

وتقدَّم رواية الإمام أحمد له عن عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من الصحابة، فالله أعلم‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث ابن جريج عن الزُّهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بينا هو يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا وكذا‏.‏

ثم قام آخر فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا، وكذا قبل كذا‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏افعل ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

وأخرجاه من حديث مالك‏.‏

زاد مسلم ويونس عن الزُّهري به، وله ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها، ومحله ‏(‏كتاب الأحكام‏)‏ وبالله المستعان‏.‏

وفي لفظ الصحيحين قال‏:‏ فما سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك اليوم عن شيء قدِّم وإلا أخِّر، إلا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏افعل ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏